شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم
مـــصـــطــفـــى بن خالد
إذا أردت تلخيص المشهد اليمني في أكثر صوره عبثيةً ومرارة، فلن تجد أوضح من ذلك الإعلان الصادم الذي خرج به برلمان الخارج، وهو يقرر تشكيل لجان “ نزول ميداني ” لتفتيش مؤسسات الدولة في الداخل، وكأنما يمكن تفقد الوطن من نوافذ الفنادق والقصور الفاخرة، أو مراجعة أداء المؤسسات من ردهات المطارات وصالات المغادرة .
مجلس لم يجتمع تحت قبة البرلمان منذ أكثر من عشر سنوات، وأعضاؤه موزعون على عواصم الشتات من القاهرة إلى عمّان، ومن الرياض إلى إسطنبول، ومن الدوحة إلى أبوظبي، يقرر فجأة أنه سيُقيّم أداء مؤسسات الداخل التي لم يزرها منذ عقد، ولا يعرف شيئاً عن مكاتبها، ولا موظفيها، ولا معاناة مواطنيها .
تحت شعار “ الرقابة والمتابعة ”، يريد برلمان المنفى أن يفتش على بلد لم يشاركه أوجاعه، ولم يعش قهره، ولم يتنفس هواءه المسموم بالبارود والقنابل والصواريخ والخذلان، وكأن المأساة اليمنية يمكن تلخيصها في رحلة قصيرة، أو في اجتماعات موسمية أشبه بجولات سياحية لالتقاط الصور التذكارية على أنقاض وطن يلفظ انفاسه .
ما يجري اليوم ليس سوى انعكاس فجّ لانفصال النخب السياسية اليمنية عن واقع الناس، وانشغالهم بلجان شكلية لا تعدو كونها محاولة يائسة للظهور بمظهر الحريص، بينما الحقيقة أن أغلبهم لم يعد يعرف حتى الطريق إلى هذا الوطن المنكوب .
برلمان بلا أرض ولاضمير ..
وقرارات بلا معنى
أي عبث هذا الذي يُمارس باسم الرقابة، حين يتصدر المشهد برلمان غارق في المنافي، يقيم أعضاؤه بين فنادق العواصم، ويتنقلون بجوازات دبلوماسية لا تحمل من عبق اليمن سوى اسم الدولة المختطفة ؟
مجلس نواب، غابت غالبيته عن أرض الوطن لسنوات، بعضهم لا يتذكر حتى ملامح الشوارع أوالقرى التي انتُخب فيها، ولا أسماء من أداروا حملاتهم الانتخابية، وآخرون يزورون البلاد على استحياء، لأيام معدودة، وكأنها رحلة عابرة لا علاقة لها بجغرافيا المعاناة أو تفاصيل القهر اليومي الذي يعيشه المواطنون .
كيف لبرلماني ينتمي لعالم الخانات، يقضي جلّ وقته في أحاديث المؤتمرات ومطارات العواصم، أن يُمسك بملف الرقابة على مؤسسات تُدار في وطن تئنّ تحت وطأة الحرب والفقر والانهيار ؟
من أي أرض يتحدثون ؟ وعلى أي واقع يستندون ؟ وهم الذين لم يسمعوا صرخة كهرباء مقطوعة، ولم يقفوا في طوابير الوقود، ولم يعرفوا رعب المستشفيات الخالية من الأدوية، ولا انطفاءات المدن التي تُزهق روحها على نغم العمالة والتفريط ؟
إنها رقابة بلا جذور، وقرارات بلا معنى، تصدر عن سلطة منقطعة عن الأرض، غريبة عن نبض الناس، لا تشاركهم الجوع، ولا تتقاسم معهم الخوف، ولا تعرف شيئاً عن تفاصيل الحياة اليومية في وطن يتهاوى .
هؤلاء النواب، الذين لم يعيشوا يوماً مرارة انقطاع الكهرباء، ولم يذوقوا قسوة الانتظار في طوابير الغاز، ولا عرفوا شيئاً عن واقع المستشفيات الخالية من الدواء، ولا عن مدارس تغلق أبوابها أمام الأطفال، قرروا فجأة أن يرتدوا عباءة الرقابة، وأن يتحولوا بين ليلة وضحاها إلى مفتشين على مؤسسات لا يعرفون حتى مواقعها، ولا يدركون حجم معاناة من بداخلها، ولا تلامس قراراتهم نبض الناس في شيء .
كيف لبرلماني ينام كل ليلة في أوتيل، يتنقل بين العواصم بجوازات سفر دبلوماسية، ويؤمن حياة أسرته من رواتب ومخصصات بالدولار و الريال السعودي، الاماراتي، أو القطري، أن يتحدث عن رقابة على مؤسسات تخدم شعباً مسحوقاً تحت نيران الحرب، محاصراً بالجوع، مطارداً بانهيار العملة والخدمات ؟
بأي وجه سيقف أمام مدير مؤسسة حكومية وهو لا يحمل في يده حتى تقريراً ميدانياً واحداً ؟ كيف ينظر في أعين الموظفين الذين يتقاضون رواتب بخيسة ومنقوصة – إن وُجدت أصلاً – أو في عيون مواطنين يقفون كل يوم على حافة الموت بسبب فساد المؤسسات وغياب الدولة ؟
أي وقاحة سياسية هذه، حين يحاول من غاب عن الوطن عقداً من الزمن، أن يُلبس نفسه رداء الحريص، بينما هو القادم من صالات المطارات ودهاليز القصور والفنادق الأجنبية، محملاً بحقائب العودة المؤقتة ؟
هذه ليست رقابة، بل مهزلة سياسية تتكرر على حساب وطن يتآكل بصمت، وشعب يتساقط ضحية لكل هذا العبث الممنهج .
رقابة سياحية … ومسرحيات مكشوفة
من بديهيات العمل الرقابي أن يكون القائمون عليه جزءاً من النسيج الاجتماعي، يعيشون هموم الناس، يلمسون معاناتهم، يتقاسمون مع المواطنين تفاصيل الانقطاع، والخدمات المتهالكة، وانكسارات الحياة اليومية … فكيف يُعقل أن يمارس هذا الدور من انقطعت صلتهم بالوطن منذ سنوات، وجعلوا من المنافي مقراً دائماً، ومن الأوتيلات بديلاً عن الأرض ؟
أي رقابة تلك التي تُمارس بجوازات دبلوماسية، وتُدار من نوافذ الفلل والثرابات في القاهرة، أو من صالات المطارات في عُمان وعمّان، أو عبر مكالمات الفيديو من مقاهي إسطنبول، ونوادي التخسيس في الدوحة وأبوظبي والرياض ؟ هؤلاء ربما يجيدون تقييم جودة الطعام في مطعم فاخر، أو يعطون رأيهم في قهوة تُقدّم على طاولات البطحاء، أو يقيسون مستوى الخدمة في مول تجاري في إحدى العواصم العربية والعالمية … أما أن يتحدثوا عن تقييم مؤسسات الداخل، المتآكلة أصلاً، في وطن منكوب ومحاصر، فتلك نكتة سياسية سمجة لا تليق إلا بمسرحيات التبعية والارتهان المكشوفة .
أي عبث هذا الذي يُمارس تحت اسم “ نزول ميداني ” وهم بالكاد يعرفون خارطة البلاد ؟ كيف يمكن لمن لا يقف في طوابير الوقود، ولا يعيش بين شوارع تغمرها النفايات، ولا يسمع صرخات الأمهات في طوارئ المستشفيات، أن يُفتش على مؤسسات وُلدت من رحم الانهيار الذي صنعوه وتغرق في فساد هم من زرعوه، خراب زعف البلد والناس ؟
هي رقابة سياحية لا أكثر … مسرحيات بائسة تُدار من الخارج، لا علاقة لها بالميدان ولا بالمواطنين الذين يدفعون وحدهم ثمن هذا الفرق المريع بين نخب الشتات وواقع اليمن المذبوح .
أي عبث سياسي أشدّ من أن يُدار تقييم مؤسسات وطن يهلك من خارج حدوده ؟ وأي مهزلة أفدح من أن يُوكل أمر تفتيش أجهزة الدولة لمن لا يعرف عن الداخل سوى ما تلتقطه نشرات الأخبار، وما يصلهم عبر تصريحات الشاشات ؟
كيف لمن انقطعت صلته بالأرض، ولم يسمع همسات الناس ولا صرخاتهم، أن يتحول فجأة إلى مفتش ومراقب ؟ إنها ليست إلا مسرحية بائسة، محاولة مفضوحة لتجميل وجه مؤسسات منهارة بقرارات ورقية، تماماً كما تحاول السلطة المنفية إقناع نفسها والعالم بأنها ما زالت جزءاً من معادلة الداخل، بينما الواقع يقول إنها لم تعد سوى “ طيف مسافر ” يتنقل بين العواصم، يعيش خارج جغرافيا الوجع، ويطل على المأساة من شرفات الأبراج الزجاجية وأسواق البورصة ومكاتب الاستثمار .
هم لا يعرفون شيئاً عن طوابير الخبز، ولا انطفاءات الكهرباء، ولا صرخات المرضى، ولا أصوات الأمهات في مدن أنهكها الحصار والخراب .
ومع ذلك، يريدون أن يمارسوا دور الرقيب والحسيب على مؤسسات هم بفسادهم أول من ساهم في تفريغها من مضمونها .
إنها سخرية قدر، وعبثية سياسية لم تعد تخدع أحداً، تماماً كما لم تعد هذه السلطة تعرف طريق العودة إلى واقع شعبها، ولا تملك شجاعة مواجهة الداخل إلا عبر بيانات تتطاير من الخارج، بلا أثر، وبلا معنى .
شعب بلا صوت ..
ونخب متخمة بلا انتماء
المأساة ليست فقط في مهزلة التفتيش من المنافي، بل في صمت الشعب الذي بات، مع مرور السنوات، مجرد متفرج على عبث النخب، عاجزاً عن محاسبة أحد، وكأن الوطن تحول إلى مسرح مفتوح تُمارَس فيه كل أشكال الوصاية من الخارج، والفساد والقهر والانتهاك من الدخل، بلا رادع ولا خجل .
منذ سنوات، واليمن ينزف وحده ثمن غياب الدولة، يدفع فاتورة سلطات منقسمة، نخب طائفية، مناطقيه، إنتهازية، متنافرة، لا تعرف شيئاً عن حرارة الشارع أو ظلمة المنازل أو أنين المستشفيات .
تحوّلت مؤسسات الدولة إلى مجرد أوراق مبعثرة على طاولات العواصم، وموازناتها إلى ملفات تُتداول في الاجتماعات المغلقة خارج الحدود، أما الخدمات التي يفترض أن تُقدم للمواطن، فاختُزلت إلى أرقام باردة فارغة من أي معني، لأولئك الذين استوطنوا المنافي وتناسوا جذورهم .
هكذا يعيش اليمن اليوم :
شعب بلا صوت، ومؤسسات بلا روح، ونخب بلا انتماء .
سلطة تغترب عن هموم الداخل، ومعارضة تساوم على حساب الوطن، وأحزاب عاجزة مترهلة، وبرلمان يسافر بجوازات منفية، ثم يعود فجأة ليتحدث عن رقابة وهمية على وطنٍ في مهب الريح، يهلك بين أنياب الحرب والفقر والدمار .
أما الداخل، فقد تُرك وحيداً لشعب مكلوم يطارد فتات العيش في زوايا وطن منهك، يتشبث بالبقاء وسط رماد الحرب والنسيان، بينما نخب السياسة يمارسون هوايتهم المفضلة :
إصدار قرارات ورقية من وراء الحدود، وتشكيل لجان تفتيش افتراضية، وكأن هذا الوطن لم يعد سوى نشرة أخبار عابرة، أو خبر عاجل يُبثّ وقت الحاجة، أو مناسبة موسمية تُستغل للظهور أمام الكاميرات، قبل أن يعودوا إلى مقاعدهم الوثيرة في عواصم البذخ وديار الكفيل .
هكذا أصبح اليمن، مشهداً مسروقاً، يتنافس عليه المتغيبون، بينما المواطن الحقيقي، من يعيش جحيم الداخل، لا يُرى، لا يُسمع، ولا يُؤخذ له رأي، فقط يواصل دفع الثمن وحده، صامداً على أنقاض وطن يتآكله الغياب والادعاء واللجان السياحية .
خلاصة القول:
الرقابة الحقيقية تبدأ من العودة للوطن
… والصدق مع الذات
قبل أن يشكّل نواب الأوتيلات لجان التفتيش الشكلية، كان الأولى والأحرى أن يُشكّلوا لجنة لمراجعة ضمائرهم، ومحاسبة أنفسهم بصدق على عقد كامل من الغياب المريب، والتيه السياسي المخيف، وخيانة القسم الذي أقسموه أمام شعب في النزاع الأخير، وارتهان مفضوح لقوى أجنبية تعادي اليمن ومصالحه الوطنية العليا .
فلا رقابة حقيقية تُبنى على وهم، ولا إصلاح يُبنى على الخيانة، ولا وطن يُبنى إلا عندما يعود أبناؤه ليرتقوا هموم شعبهم، ويترفعوا عن مصالحهم الضيقة، ويعيدوا للداخل روحه الحية، ولمؤسساته كرامتها المسلوبة .
إنها دعوة للاستيقاظ من سبات الجب والغياب، لتجديد العهد مع الوطن، والناس حيث تبدأ الرقابة من الداخل، بضمير يقظ، ووطن ينبض بالوفاء، لا بقرارات تُصاغ في الغرف المغلقة، وتُنسى في ردهات المكاتب البعيدة .
مجلس منتهي الصلاحية ..
وبقاءه مخالف لصميم القانون والدستور
مجلس النواب اليمني هذا، الذي انتهت صلاحياته منذ أكثر من عقدين، وأغلب أعضائه قد وافته المنية، تحول إلى مجلس “معمر” لا مثيل له في تاريخ البرلمانات العالمية، يجلس أعضاؤه في الخارج كشبح مسافر بعيد عن واقع وطنه الممزق .
بقاء أعضاء هذا المجلس خارج حدود الوطن لأكثر من عقد كامل ليس مجرد سقوط أخلاقي وسياسي، بل خرقٌ صريح للدستور، وتجاوز فجّ للقانون، واعتداء على أبسط قواعد الشرعية التي يدّعون تمثيلها .
كان الأجدر بهذا المجلس، قبل أن يتجرأ على تشكيل لجان تفتيش وتقييم مؤسسات الدولة في الداخل، أن يبحث أولاً عن معنى الانتماء الحقيقي، عن شعور المشاركة في وجع الناخب ومعاناة شعب يعاني الانهيار والحصار، أن يعود إلى أرض وطنه، وينصت لصوت الناس قبل أن يصدر قراراته من وراء البحار .
كيف يمكن لمن فقدوا الصلة باليمن أن يفهموا مؤسساتها أو يعايشوا معاناتها ؟ وكيف لهم أن يقيموا ما لم يلمسوه، أو يشاركوا ما لم يعيشوه ؟
إن هذا المجلس، المغترب عن وطنه، ليس فقط منتهياً صلاحياً، بل صار عبئاً يثقل كاهل اليمن، بعده يزيد الفرقة والهوه بين النخب والشعب، ويستمر تقويض الدولة عبر قرارات بلا مضمون ولا مصداقية .
مجلس يشرعن مصادرة القرار والسيادة، ويبارك تفكيك اليمن، ثم يتوهّم أنه قادر على إدارة وطن عبر الوتسب ونشرات الهواتف المحمولة، وتفتيش مؤسساته من مقاعد الطائرات، ومراقبة خدماته من صالات الترانزيت في عواصم الغربة .
الرقابة الحقيقية تبدأ حين تعود الأقدام إلى الأرض، حين يعيش المسؤول مع الشعب وجعه اليومي، حين يعرف انقطاع الكهرباء، وشح الماء، وألم المستشفيات الخاوية.
أما ما عدا ذلك، فليست سوى مسرحيات هزلية، تُدار على حساب وطن يتطاير، وشعب يموت بصمت … بينما نخب الخارج يتقنون فنّ إصدار البيانات، ويتقنون أكثر فنّ الهروب من المسؤولية .
أما اليمن، فلن تُرمّم شروخه، ولن تستقيم مؤسساته، طالما بقي القرار مرهوناً لعواصم الخارج، وطالما تُدار شؤون البلاد من غرف مغلقة في فنادق المنفى، حيث تنفصل السلطة عن واقع الناس، ويُختزل الوطن في بيانات بروتوكولية لا تلامس قاع المعاناة .
حين يعود القادة إلى الأرض، حين يتساوى المسؤول مع المواطن تحت سقف الأزمات، وحين يتحوّل البرلمان من ديكور مغترب إلى سلطة حقيقية تعبر عن نبض الداخل وتدافع عن سيادة القرار الوطني … فقط حينها، يمكن الحديث عن إصلاح مؤسسات الدولة .
أما ما عدا ذلك، فسيظل “برلمان الفنادق” عنواناً للارتهان، ورمزاً لعقم المشهد السياسي، وستبقى رقابة المنفى وصمة في جبين الشرعية، ودليلاً صارخاً على مأساة وطن يُدار عن بُعد، ويُفتش على أشلائه من مقاعد الدرجة السياحية … بينما ينزف الشعب وحيداً، في الداخل المُغيب .
نصيحة :
قبل أن تفكّروا بتفتيش مؤسسات الداخل، فتشوا أنفسكم أولاً … افتحوا دفاتر خيانتكم، قوائم ارتهانكم، سجلات التفريط بالقرار والسيادة اليمنية، والأرض والبحر والجزر والكرامة الوطنية، والشرف اليعربي الذي يباع في سوق نخاسة الأوطان .
أي وقاحة أن يتحدّث من وقّع على شرعنة الاحتلال، ومن بارك تمزيق اليمن، ومن حوّل القرار الوطني إلى ملف في جيب السفراء، عن رقابة ومؤسسات ؟
أي مسخرة أنتم صُنّاعها ؟ وأي مهزلة يمارسها برلمان بلا شرعية، بلا قانون، بلا دستور، بلا شعب، بلا ضمير ؟
عودوا للوطن إن بقي فيكم ذرة نخوة عروبية … أو على الأقل، اصمتوا، فالوطن لم يعد يحتمل نفاقكم، ولا أكاذيب .
شعبٌ غارق حتى أذنيه في متاعب الفاقة والفقر والخراب، بينما نخبته السياسية تتنقّل بين فنادق العواصم، تطلق بياناتها المنفصلة عن الأرض من مقاعد الانتظار وبهو القصور، وكأن الوطن مجرد محطة موسمية للظهور الإعلامي لا أكثر .
الوطن يحتضر …
والجلاد يلبس قناع المُفتش .
0 Comment