العرب في بريطانيا…من الهجرة إلى التأثير

العرب في بريطانيا…من الهجرة إلى التأثير

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

 

 

الفرصة التاريخية التي لا يجب أن تضيع

 

في قلب بريطانيا، حيث تصطدم التقاليد العريقة بموجات التغيير، يتحرك العرب على مفترق طرقٍ تاريخي، بين ذاكرة المنفى، وتحديات الاندماج، وفرص التأثير العابر للحدود .

 

من شوارع لندن الصاخبة، إلى مقاعد أكسفورد وكامبريدج الرفيعة، ومن الأسواق الشعبية في برمنغهام إلى قاعات البرلمان البريطاني، تمتد حكاية العرب هنا كخيطٍ متشابك من الألم والأمل والطموح .

 

ليسوا مجرد مهاجرين عابرين، ولا جالية هامشية تبحث عن البقاء، بل قوة ناعمة صاعدة تحمل معها رصيد حضاري يمتد من المحيط إلى الخليج، وإرثاً تاريخياً يتقاطع مع مصالح بريطانيا ومستقبلها .

 

واليوم، وبين تحولات السياسة العالمية، وصعود الهويات المتعددة، يلوح أمام العرب في بريطانيا فرصة استراتيجية نادرة :

 التحول من جالية مشتتة إلى قوة مؤثرة تصنع القرار، وتعيد رسم صورة العرب في أذهان البريطانيين والعالم .

 

إنها لحظة لا تنتظر المترددين … فهل يدرك العرب في بريطانيا حجم المسؤولية، وعمق الفرصة التاريخية التي بين أيديهم ؟

 

الجالية العربية في بريطانيا ليست مجرد أرقام جامدة في سجلات الهجرة، بل كيان حي نابض يتسلل إلى عمق المشهد البريطاني، محمّلاً بإرث حضاري عابر للقارات، يمتد من صحراء المغرب إلى جبال اليمن، ومن ذاكرة نكبة فلسطين إلى جراح دمشق ومقديشو وبغداد .

 

إنها جالية تحمل في حقائبها لغة الضاد، وتاريخ الأندلس، وحكايات المنفى، لكنها أيضاً تحمل طموح التأثير، وشغف الاندماج الواعي، وإرادة كسر الصور النمطية، لتصنع لها موطئ قدم في قلب ديمقراطية غربية تعيد تعريف التعددية يوماً بعد آخر .

 

لكن وسط هذا الحضور المتنامي، يتصاعد السؤال الأعمق والأكثر إلحاحاً : 

هل آن أوان أن يتجاوز العرب في بريطانيا مرحلة التشتت والانكفاء، ليعيدوا تموضعهم كقوة استراتيجية فاعلة، قادرة على التأثير، لا مجرد التكيّف .

 

العرب تحت قبة البرلمان … 

بداية التحوّل من الهامش إلى التأثير

 

لم تعد الانتخابات العامة في بريطانيا مجرّد سباق حزبي داخلي، بل تحوّلت في يوليو 2024 إلى محطة مفصلية ترسم ملامح الحضور العربي الحقيقي داخل المشهد السياسي البريطاني .

 

 وللمرة الأولى، يخرج الصوت العربي من الهامش الرمزي إلى قلب المعادلة البرلمانية، في مؤشّر يحمل أكثر من دلالة .

 

من أبرز تلك الدلالات :

- ليلى موران — النائبة البريطانية من أصول فلسطينية، التي جدّدت ولايتها عن دائرة Oxford West and Abingdon، لتصبح أول بريطانية فلسطينية تتولى رئاسة لجنة الصحة والرعاية الاجتماعية في البرلمان . 

ليلى لا تُمثّل مجرد نجاح شخصي، بل تجسيداً لإمكانية تحويل القضية الفلسطينية من شعارات إلى ملفات مؤسسية تناقش تحت قبة البرلمان البريطاني .

 

- ابتسام محمد — المحامية الصاعدة من أصول يمنية، دخلت التاريخ كأول نائبة يمنية في مجلس العموم، ممثلة لدائرة Sheffield Central عن حزب العمال . 

صعودها رسالة واضحة : 

رغم جراح اليمن، أبناءه في الشتات قادرون على اقتحام معاقل القرار في أوروبا، والمساهمة في تشكيل سياسات العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان من الداخل .

 

- صفية سعيد — الشابة البريطانية من أصول صومالية - يمنية، التي خطفت الأضواء بتتويجها في 2025 كأول امرأة محجبة من أصول عربية أفريقية تتولى منصب عمدة مدينة شيفيلد (Lord Mayor) .

 صفية ليست فقط قصة نجاح فردي، بل عنوان صريح لقدرة المرأة العربية المسلمة على كسر الصور النمطية، والولوج إلى مراكز صنع القرار في مجتمع غربي تنافسي ومعقّد .

 

هؤلاء، وغيرهم، يمثلون بداية تشكّل نواة سياسية عربية قد تتحول، إن أُحسن استثمارها، إلى رأس حربة لوبي عربي منظم، قادر على التأثير في السياسات الداخلية والخارجية لبريطانيا، خصوصاً تجاه قضايا الشرق الأوسط، وملفات الجاليات، وحقوق الأقليات .

 

لكن … الطريق لا يزال طويلاً، محفوفاً بالتحديات والفرص .

 

من الاقتصاد إلى الإعلام … العرب في بريطانيا قوة ناعمة تتسلل بهدوء وتصنع الفارق

 

بعيداً عن الأضواء التقليدية، تتحرّك الجالية العربية في بريطانيا عبر مسارات اقتصادية وإعلامية تثبت أن الحضور العربي لا يقتصر على السياسة أو الأكاديميا، بل يمتد ليصبح جزءاً متشابكاً من نسيج الاقتصاد والمجتمع البريطاني، وإن كان كثير منه يحدث بصمت، إلا أن نتائجه لا يمكن تجاهلها .

 

النفوذ الاقتصادي العربي … أرقام تتحدث عن نفسها

 • الكوادر الطبية العربية : 

آلاف الأطباء من أصول عربية يعملون يومياً داخل هيئة الصحة الوطنية البريطانية (NHS)، يقدّمون خدمات إنقاذ الأرواح من الخطوط الأمامية للمستشفيات .

 

أطباء من فلسطين، العراق، سوريا، اليمن، مصر، والسودان، الصومال، أصبحوا عصباً حيوياً ضمن المنظومة الصحية البريطانية التي تواجه تحديات كبرى، خصوصاً بعد جائحة كورونا .

 • روّاد الأعمال والاستثمارات : 

رجال وسيدات أعمال عرب يقودون شركات في مجالات المال، التكنولوجيا، قطاع المطاعم، تجارة التجزئة، والعقارات من لندن إلى برمنغهام ومانشستر .

 

 بعض هذه الشركات ذات الطابع العربي تحوّلت إلى جزء من المشهد اليومي البريطاني، تحمل أسماء عربية وتقدّم خدمات عالية الجودة، ما يعكس الاندماج دون فقدان الهوية .

 • رؤوس الأموال العربية :

 استثمارات عربية ضخمة، خاصة من قطر، الإمارات، كذلك السعوديين، بالإضافة إلى العراق واليمن والمغرب العربي، تواصل التدفق نحو قطاعات العقارات، الطاقة المتجددة، والبنية التحتية البريطانية، بما يرسّخ شراكة اقتصادية مع بريطانيا ويمنح العرب أوراق تأثير استراتيجية على المدى البعيد .

 

العرب في الإعلام … 

معركة الصورة والرواية

 

في المقابل، لا تزال معركة الإعلام تمثل أحد أهم تحديات الجالية، لكنها أيضاً ميدان نفوذ يتوسّع تدريجياً :

 • حضور إعلاميين عرب في كبريات الشبكات البريطانية مثل BBC وSky News بدأ يغيّر تدريجياً الصورة النمطية للعرب، رغم العقبات .

 • ظهور جيل جديد من الصحفيين والناشطين العرب عبر المنصات الرقمية، يسهم في إعادة رسم الرواية حول قضايا العرب والشرق الأوسط من منظور أكثر موضوعية، بعيداً عن شيطنة الهويات أو اجترار الكليشيهات الاستشراقية .

 • المؤسسات الصحفية والإعلامية العربية التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، مثل رأي اليوم، الشرق الأوسط، القدس العربي، بحر العرب، قناة المستقلة والعربي الجديد ومقرّات فضائيات عربية أخرى، أصبحت منصات ناعمة لصوت عربي مستقل داخل الساحة الإعلامية الغربية .

 

وفي الإعلام، لم يعد العرب في بريطانيا مجرد موضوعات تُتناول من منظور خارجي، بل بدأوا تدريجياً في التسلل إلى غرف التحرير، شاشات التلفزة، وصفحات الرأي، عبر جيل جديد من الصحفيين البريطانيين من أصول عربية، حملوا معهم الرواية الأخرى، التي طالما غابت أو تم تهميشها .

 

من داخل BBC، Sky News، Channel 4، وصحف كبرى مثل The Guardian وThe Independent، بدأت تظهر أصوات عربية تطرح قضايا الشرق الأوسط والهوية العربية من منظور أعمق وأكثر إنصافاً، بعيداً عن القوالب النمطية التي روّجت سنوات طويلة لصورة مشوّهة عن العرب .

 

وفي المقابل، تواصل القنوات العربية الناطقة من لندن، مثل “العربي الجديد”، “الحوار”، وغيرها، لعب دور المنصة البديلة لنقل صوت العرب إلى العالم، لكنها أيضاً تحتاج إلى مزيد من التطوير، والاندماج في المشهد الإعلامي البريطاني لتعزيز التأثير الحقيقي، لا البقاء في دائرة الخطاب الموجّه للجاليات فقط .

 

ومع ذلك، تبقى الصورة النمطية السلبية للعرب والإسلام جزءاً من معركة طويلة الأمد، تحتاج إلى أدوات إعلامية أكثر احترافاً، سردية مدروسة، وتحرك مؤسسي قادر على تفكيك روايات الخوف والتشويه، لصالح صورة تعكس حقيقة العرب كمكوّن فاعل، متنوع، ومساهم في بناء بريطانيا متعددة الثقافات .

 

التحديات … 

عقدة التشتت وحاجز الصورة النمطية

 

ورغم الزخم المتنامي لحضور العرب في المشهد البريطاني، تظل الجالية العربية محاصرة بمعضلات معقدة، تهدد بتبديد مكتسباتها وفرصها التاريخية، أبرزها :

• غياب لوبي عربي منظم

نجاحات الأفراد، مهما كانت ملهمة، تبقى محدودة التأثير إذا لم تتكامل ضمن إطار مؤسسي منظم . 

 

الجالية العربية حتى اليوم تفتقر إلى كيان ضغط سياسي ( لوبي ) قادر على توحيد الصوت العربي، حماية المصالح، والتأثير الفعلي في دوائر صنع القرار البريطاني، أسوة بما فعلته جاليات أخرى كالهندية واليهودية .

 

• الصورة النمطية والإعلام الأحادي

 

رغم الجهود الإعلامية الفردية، ما تزال صور العرب في الإعلام البريطاني محكومة بروايات قديمة، غالباً مرتبطة بالإرهاب، الحروب، والاضطرابات، وهو ما يعمّق سوء الفهم، ويغذي مشاعر الخوف والعنصرية ضد العرب والمسلمين .

 

• الانقسام الداخلي وتصدير النزاعات، الخلافات المستوردة من أزمات الداخل العربي، سواء السياسية أو الطائفية، تجد طريقها أحياناً إلى داخل الجالية، فتقوّض محاولات التوحّد، وتحبط أي مسعى لبناء رؤية عربية مشتركة داخل المجتمع البريطاني .

 

• صراع الهوية عند الأجيال الجديدة

الجيل الثاني والثالث من العرب البريطانيين يعيش حالة من صراع الهوية، بين الانتماء للجذور العربية والإندماج في المجتمع البريطاني، ما يتطلب برامج ثقافية وتربوية مدروسة تُرسّخ الثقة بالهوية المزدوجة وتُنتج كوادر قادرة على القيادة دون ذوبان أو انغلاق .

 

 

• الانقسامات القُطرية … استنساخ الأزمات العربية داخل بريطانيا

بدل أن تكون بريطانيا أرضاً لبداية جديدة، تحوّلها بعض الصراعات العربية إلى ساحة خلفية لإعادة إنتاج الأزمات القُطرية والطائفية، حيث تتسلل الخلافات القادمة من اليمن، الصومال، فلسطين، سوريا، لبنان، السودان وغيرها، إلى الداخل البريطاني، فتزرع الشقاق بين أبناء الجالية، وتُبدد أي محاولة لبناء موقف عربي موحد يخدم المصالح الجماعية .

 

هذا التشرذم لا يُضعف فقط فرص العرب في التأثير، بل يمنح خصومهم أفضلية دائمة في ساحات السياسة، الإعلام، والاقتصاد .

 

 

• الصورة النمطية والإعلام … معركة العرب الخفية في بريطانيا

رغم نجاحات الأطباء، الأكاديميين، ورجال الأعمال العرب في بريطانيا، لا تزال بعض وسائل الإعلام البريطانية، وبتأثيرات دولية متشابكة، تصر على تصدير صورة مشوهة للعرب، تختزلهم في مشاهد الحرب، العنف، التطرف، أو اللجوء .

 

هذه الصورة النمطية، المتجذّرة في بعض التغطيات الصحفية والدراما والشاشات، لا تعكس حقيقة الحضور العربي المتنوّع والمساهم في مختلف قطاعات الحياة البريطانية .

 

المعضلة الأخطر : 

غياب منصة إعلامية عربية قوية وموحدة، تنقل قصص النجاح، وتدافع عن الرواية الحقيقية للجالية، وتكسر احتكار الخطاب السلبي .

 

إذا أراد العرب في بريطانيا قلب المعادلة، عليهم أولاً الانتصار في معركة الصورة والوعي .

 

 

• تحديات الأجيال الجديدة… صراع الهوية والانتماء

 

جيل الشباب العربي في بريطانيا يقف اليوم في منطقة رمادية بين جذوره الشرق أوسطية وواقع المجتمع البريطاني متعدد الثقافات .

 

 يعيش كثيرون منهم صراعاً صامتاً بين الاعتزاز بالهوية العربية، والاندماج الكامل في مجتمع بريطاني سريع الإيقاع، شديد المنافسة .

 

التحدي الأكبر : 

غياب برامج تربوية وثقافية منهجية، تساعد الجيل الثاني والثالث على التمسك بجذوره دون الانغلاق، والانفتاح على المجتمع البريطاني دون الذوبان الكامل .

 

الهوية هنا ليست عبئاً، بل مصدر قوة … إذا وُجدت بيئة داعمة تعيد تعريف الانتماء بشكل حضاري متوازن .

 

لحظة اللوبي العربي … فرصة تاريخية لا تحتمل التأجيل

 

تجارب الأقليات اليهودية والهندية والآسيوية في بريطانيا ترسم لنا خارطة طريق واضحة لبناء لوبي عربي فاعل وقوي، لا يكتفي بالمطالبة وإنما يصنع القرار :

 • تنظيم الجالية في كيانات قانونية ومؤسسات معترف بها قادرة على تمثيل مصالح العرب رسمياً والضغط المؤثر في دوائر القرار السياسي والاقتصادي .

 •استثمار النجاحات الفردية والجماعية في السياسة، الاقتصاد، والقطاع الاجتماعي، وتحويلها إلى قوة تأثير استراتيجية تخدم المصالح العربية والبريطانية على حد سواء .

 •إعادة صياغة الخطاب الإعلامي العربي بلغة بريطانية معاصرة، وحرفية مهنية عالية، قادرة على اختراق حواجز الإعلام الغربي وتشكيل صورة جديدة تبرز عمق التنوع والإسهام العربي الحقيقي .

 • تمكين الكفاءات الشابة في ميادين السياسة، الاقتصاد، الإعلام، والثقافة، عبر برامج دعم وتدريب مستمرة تضمن استدامة التأثير وولادة قيادات عربية بريطانية قادرة على القيادة والتغيير .

 

هذه ليست مجرد خيارات، بل ضرورة استراتيجية إذا أردنا للعرب في بريطانيا أن يصبحوا قوة لا يُستهان بها في صنع المستقبل .

 

الجالية العربية اليوم ليست مجرد تجمع من المهاجرين، بل هي كيان متكامل يمتلك كل مقومات القوة : 

بشرية واقتصادية ومعرفية، تؤهله لأن يتحول من جالية مشتتة إلى قوة استراتيجية فاعلة، ذات صوت مسموع في أروقة السياسة البريطانية . 

قوة قادرة على صوغ السياسات، والدفاع بحزم وفعالية عن قضايا العرب المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تمثل نبض الضمير العربي والإنساني .

 

هذه القوة ليست حلماً بعيداً، بل هي فرصة حقيقية تنتظر العمل الجماعي والتوحيد، لتصبح الجالية العربية في بريطانيا منصة تأثير إقليمية ودولية، تكتب التاريخ الجديد بأيدي أبنائها .

 

جيل جديد يعيد صياغة المعادلة

 

جيل جديد من العرب في بريطانيا بدأ يشق طريقه بوعي متجدد ورؤية استراتيجية. جيل يرى في هويته العربية قوة ناعمة تُثري تجربته ولا تُقيده، ويؤمن بأن الاندماج في المجتمع البريطاني ليس تناقضاً مع الجذور بل مفتاح للبقاء والتأثير الفعّال .

 

نماذج مثل ليلى موران، ابتسام محمد، وسفية سعيد ليست إلا شرارة البداية التي تضيء درب الأمل، وتُعلن ولادة جيل جديد يحمل على عاتقه مهمة إعادة تعريف حضور العرب في بريطانيا، من مجرد وجود إلى تأثير حقيقي .

 

من شوارع لندن إلى قلب القرار… هل يتحول الحراك الفلسطيني إلى قوة عربية شاملة ؟

 

لقد أثبتت الجالية الفلسطينية في بريطانيا، خلال الأشهر الماضية، أن العرب عندما يتوحّدون خلف قضية عادلة، يستطيعون تحريك الشارع البريطاني، وقيادة مظاهرات مليونية، تُسمع صداها من أمام البرلمان وحتى شاشات العالم … كل ذلك دفاعاً عن غزة وحق الفلسطينيين في الحياة والكرامة .

 

لكن يبقى السؤال الأعمق :

 

هل تستطيع الجالية العربية، بكل تنوّعها وامتدادها، أن ترتقي بهذا الحراك من مجرد ردود أفعال مؤقتة، إلى مشروع إستراتيجي منظم ؟

 

هل يمكن للعرب في بريطانيا تجاوز الانقسامات والهويات القُطرية الضيقة، لبناء جبهة عربية فاعلة تدافع عن الحقوق، تشارك في القرار السياسي، وتُسهم بفعالية في الاقتصاد، وتعيد الاعتبار للقضايا العربية من قلب بريطانيا ؟

 

الأيام القادمة وحدها ستحمل الجواب …

فالرهان الحقيقي ليس على الشعارات، بل على العمل، والرؤية، والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص، والصوت العربي إلى قوة مؤثرة داخل واحدة من أهم الديمقراطيات في العالم .

 

خلاصة : 

العرب في بريطانيا أمام مفترق طرق تاريخي

 

تقف الجالية العربية في بريطانيا اليوم عند منعطف تاريخي استثنائي، يحمل في طياته فرصاً وتحديات حاسمة :

 •إما أن تبقى موزعة ومشتتة، تتعامل مع التحديات والتطلعات بشكل فردي ومنفصل، فتظل حضورها هامشياً في ساحات القرار،

 • أو أن تتحد وتنسق كـلوبي عربي قوي ومنظم، يمتلك القدرة على التأثير الفعّال وصناعة القرار داخل بريطانيا، ويُعيد صياغة صورة العرب في الإعلام والسياسة، ويُصدّر قضاياهم إلى المنابر الدولية بحضورٍ مؤثر لا يُمكن تجاهله .

 

هذا هو الوقت المناسب للانطلاق، فالفرصة التاريخية باتت أمام الجميع لتشكيل مستقبلٍ أكثر إشراقاً، يستحقه العرب في بريطانيا .

 

الفرصة اليوم ليست مجرد إمكانية، بل هي حقيقة تتجسد في الإنجازات الحاضرة والإمكانات التي لا تُحصى .

ما يبقى فقط هو تبني رؤية استراتيجية واضحة، والعمل المنظم الموحد، لنحوّل هذه الإمكانات إلى قوة تأثير حقيقية تستعيد بها الجالية العربية مكانتها وتعيد رسم مستقبلها في بريطانيا .

 

فهل سيصحو العرب في بريطانيا اليوم من سباتهم المزمن ليغتنموا هذه اللحظة الفريدة ؟

هل سينسجون معاً شبكة وحدة حقيقية، بعيدة عن فخ الحزبية الضيقة، والأيديولوجيات التي تفرّق، والإسلام السياسي الذي يستنزف الطاقات ؟

أم سنسمح لتلك الفرصة التاريخية بأن تنزلق بين أيدينا، ليبقى حضورنا مجرد أرقام في سجلات لا صوت لها ولا تأثير، مجرد حكايات تُروى دون أن تُكتب صفحاتها على أرض الواقع ؟

 

إنها لحظة القرار، لحظة العزم على بناء مستقبل عربي بريطاني لا يكتفي بالمشاركة بل يصنع القرار، لا يقبل بالتهميش بل يطالب بالمكانة، لا يتفرج على التاريخ بل يكتبه بيده .

 

فهل نكون على قدر هذه المسؤولية ؟

 

الكرة اليوم في ملعب الجالية العربية … 

والقرار بيدها وحدها

 

إما أن تدرك الجالية حجم اللحظة التاريخية، وتتحرك بوعي جماعي لصناعة تأثير حقيقي، أو تضيّع الفرصة، فتتراجع إلى هامش المشهد، وتظل مجرّد أرقام في إحصاءات الهجرة وصور موسمية في نشرات الأخبار .

 

الزمن لا ينتظر المترددين، والتاريخ لا يُكتب بالأمنيات، بل بالعمل المنظّم، والتخطيط الذكي، وتوحيد الصفوف بعيداً عن الحزبية الضيّقة، والاستقطابات الأيديولوجية، وخطابات الإسلام السياسي التي فرّقت أكثر مما جمعت .

 

الفرصة أمام العرب في بريطانيا اليوم واضحة … لكن لن تبقى إلى الأبد .

 

إما أن نكون فاعلين في صياغة القرار البريطاني، مدافعين عن قضايا العرب بذكاء واحترافية، أو نُترك خارج المشهد، نكتفي بالتفرّج على قطار التأثير وهو يمضي دوننا .

 

الخيار بأيدينا … 

واللحظة لا تنتظر

Keywords:

0 Comment

Add Your Comment

Back Top