كتب/ مصطفى بن خالد
توفي فجر اليوم الشاعر اليمني ياسين البكالي، في الرابعة صباحاً، متأثراً بظروف القهر والتجاهل التي رافقته حتى أنفاسه الأخيرة .
وفي الثامنة من مساء يوم أمس، كان لا يزال يبحث عن ٣٧٠٠ ريال يمني – ما يعادل دولاراً ونصف – مخصصاً له من صندوق التراث كدعم رمزي يتقاضاه كل أربعة أشهر، لكنّ الصندوق أوقف صرفه عنه بذريعة أنه لم يستلم المبلغ في يناير الماضي، وكأن الجوع يُعاقب لأنه لم يأتِ على موعد اللئام .
هكذا يموت الشعراء في اليمن ؛ لا من المرض، بل من الإذلال .
يموتون على قارعة القهر، فيما تتناهب البلاد أربع “ حكومات ” تتقاسم النفوذ، وتتنافس على السلب، ولا تُجيد سوى دفن الكرامة مع أصحابها .
•حكومة الرياض المهاجرة، الغارقة في الفنادق والمخصصات، لا تملك من أمر البكالي شيئاً سوى بيانات العزاء الجوفاء بعد أن يموت أمثاله .
• حكومة صنعاء الطائفية، التي تزعم حماية “ الهوية الإيمانية ”، وتترك أهل الفكر والأدب يموتون جوعاً بين طيات الكرامة المسحوقة .
• حكومة عدن المناطقية، التي لا ترى من الوطن إلا حدود منطقتهــا، وتبني مؤسساتها على الهوية لا الكفاءة، وتغلق عيونها عن فقر المبدعين .
• حكومة مأرب الإخوانية، التي ترفع شعارات “ الخلافة ” و” العدالة ”، بينما لا يستطيع شاعر أن يشتري لنفسه دواءً أو رغيفاً .
ياسين البكالي لم يكن مجرد شاعر، كان ضميراً هشاً في وطن متشقق .
كتب عن الجوع، عن البرد، عن الغربة، عن موت الإنسان داخله، بينما النخب الحاكمة في كلّ منطقة تتسابق على النهب باسم الشعب، والدين، والشرعية، والهوية، وحتى التاريخ .
“ إني مخافةَ أن أعيشَ.. أموتُ
ولكم ضحكتُ من الأسى.. وبكيتُ ”
هكذا كتب البكالي ذات يوم، فمات كما عاش، شاعراً مكلوماً، جائعاً، منسيّاً، يبحث عن مأوى في بيت شعر لأنه لا يملك بيتاً من حجر .
هذه ليست وفاة شاعر، هذه شهادة وفاة لضمير وطن .
فلا عزاء لليمنيين، ما دام الشعراء يُقتلون بالتجويع، ويُدفنون بصمت، ويُحرمون من دولار ونصف، تُصرف كل أربعة أشهر، ثم تُقطع عنهم دون خجل .
العار كل العار لأربع حكوماتٍ تقاسمت وطناً، ولم تقدر على إنقاذ شاعر .
0 تعليق